النوم بعد العصر
وحديث ( عجبت لمن عام ونام بعد العصر )
هل هناك حديت نبوي يقول : ( عجبت لمن عام ونام بعد العصر ) ؟
الحمد لله
أولا :
لم يصح في أمر النوم بعد العصر ، مدحا أو ذما ، حديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، والحديث الذي يذكره السائل الكريم غير مروي في
الكتب المسندة ، ولم يذكره أحد من أهل العلم ، فهو حديث مكذوب لا أصل له ،
فلا يجوز اعتقاد صحته ، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
فإن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب .
ثانيا :
ومن الأحاديث المكذوبة المشتهرة على ألسنة الناس في شأن ذم النوم بعد العصر
، حديث :
( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه )
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/112/حديث رقم 39) :
" ضعيف . أخرجه ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" ( 1 / 283 ) من طريق خالد
بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا .
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 69 ) وقال : لا يصح ، خالد كذاب ،
والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث .
قال السيوطي في " اللآليء " (2 /150) : قال الحاكم وغيره : كان خالد يدخل
على الليث من حديث ابن لهيعة ، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال
: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا . ومرة قال : عن ابن شهاب عن أنس
مرفوعا . و ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه . و قد رواه على وجه ثالث ، أخرجه
ابن عدي في " الكامل " (ق 211/1) والسهمي في "تاريخ جرجان" (53) عنه عن
عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا . أخرجاه من طريق مروان ، قال : قلت لليث بن
سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث ! مالك تنام بعد
العصر وقد حدثنا ابن لهيعة .. ؟ فذكره
قال الليث : لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل !
ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده .
والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12/2 نسخة السفرجلاني
) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة
مرفوعا .
وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره ، وهو راوي حديث العدس وهو :
( عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ ، وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان
سبعين نبيا ) وهو حديث موضوع " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله .
ثالثا :
أما حكم النوم بعد العصر فقد جاء فيه قولان عن أهل
العلم :
الأول : الكراهة ، وقد نص عليه كثير من الفقهاء
في كتب الفقه ، وبعضهم يستدل عليه بالحديث السابق ، المشار إلى ضعفه ،
وبعضهم يستدل عليه ببعض الآثار السلفية ، والتجربة الطبية .
جاء عن خَوَّات بن جبير من الصحابة أنه قال عن النوم بعد آخر النهار إنه
حُمق .
وجاء عن مكحول من التابعين أنه كان يكره النوم بعد العصر ، ويخاف على صاحبه
من الوسواس . انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/339)
ونقل المروذي قال : سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – يكره
للرجل أن ينام بعد العصر ، يخاف على عقله .
نقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/159) وابن أبي يعلى في طبقات
الحنابلة (1/22)
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/219) :
" ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ، ويفسد اللون ويورث
الطحال ويرخي العصب ، ويكسل ويضعف الشهوة ، إلا في الصيف وقت الهاجرة .
وأردؤه نوم أول النهار ، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر .
ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة
فقال له : قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق ؟
... قال بعض السلف : من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه "
انتهى .
وانظر "مطالب أولي النهى" (1/62) ، "غذاء الألباب" (2/358) ، "كشاف القناع"
(1/79) ، "الآداب الشرعية" ابن مفلح (3/159) ، "أدب الدنيا والدين"
(355-356) ، "شرح معاني الآثار" (1/99)
الثاني : هو الجواز ، لأن الأصل هو الإباحة ،
ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح ، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث
الصحيحة ، لا من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة ، ولا من آراء الناس .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/39) بعد
أن أورد عن الليث بن سعد الفقيه المصري المعروف ، إنكاره النهي عن نومة
العصر ، وقوله لمن سأله : مالك تنام بعد العصر ؟ لا أدع ما ينفعني بحديث
ابن لهيعة عن عقيل – علق على ذلك الشيخ رحمه الله قائلا :
" ولقد أعجبني جواب الليث هذا ، فإنه يدل على فقه
وعلم ، ولا عجب ، فهو من أئمة المسلمين ، والفقهاء المعروفين ، وإني لأعلم
أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر ، ولو كانوا بحاجة
إليه ، فإذا قيل له : الحديث فيه ضعيف ، أجابك على الفور : يعمل بالحديث
الضعيف في فضائل الأعمال !
فتأمل الفرق بين فقه السلف ، وعلم الخلف ! " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/148) :
" سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر ، هل ذلك صحيح ؟
فجاء الجواب :
" النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس ، ولا بأس بذلك ،
والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة " انتهى .
وهذا القول هو الراجح ، لعدم صحة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما
ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر ، فهي محمولة على
الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع ، يعني لما اشتهر عند العرب قديما
وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي ، وقد يؤدي إلى إضرار
في البدن ، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه ، من غير نسبة
ذلك إلى السنة والتشريع .
فيرجع في الأمر إلى الطب ، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى ، كره للمرء أن
يضر نفسه ، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء .
وانظر جواب السؤال رقم (2063)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب